24 يونيو 2025 - 18:42
التضليل المُوجّه في الإعلام الإسرائيلي.. الحيلة (4-5)

يثبت التاريخ العسكري الحديث أنّ التضليل الإعلامي قبيل الحروب كان في كثير من الأحيان عاملاً حاسماً في تحقيق عنصر المفاجأة الاستراتيجية.

وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ــ تقدير نيّات العدو وما يضمره، يؤدّي في أيّ حرب، دوراً في تشديد الاستعدادات واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتقليص الخسائر في الحدّ الأدنى، ومحاولة إفشال خطّته العسكرية في الحدّ الأقصى. هنا تحديداً، يؤدّي التضليل الإعلامي دوره في خدمة الأهداف العسكرية المُبيّتة.

ما حدث مع إيران في الأيام الأخيرة يُمكن إضافته إلى مجموعة من النماذج والأمثلة التاريخية المعروضة في هذا الجزء. وعلى اعتبار أنّ هذه السلسلة كُتبت وأُعدّت للنشر قبل العدوان على إيران بأيام، فإنّ التعديل الوحيد الذي سيطالها هو الجزء الأخير الذي يأتي تالياً ويُخصّص للخديعة الاستراتيجية التي شاركت فيها الولايات المتحدة بغرض مباغتة إيران. يضيء هذا الجزء على التضليل الإعلامي العسكري في تاريخ الحروب عموماً، وفي تاريخ الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي على وجه التحديد، وعلاقة التضليل بعنصرَي المباغتة والحيلة في العقلية الإسرائيلية.

تسريبات مقصودة

يُعدّ التضليل الإعلامي أداة مركزية في إدارة الصراعات والحروب. تستثمر الأطراف المتحاربة وسائل الإعلام لنشر معلومات مضلّلة تهدف إلى خداع الخصم والتأثير في تقديراته الاستراتيجية. يُعرّف التضليل الإعلامي العسكري بأنه بثّ متعمّد لمعلومات كاذبة أو منقوصة أو مشوّهة عبر قنوات إعلامية مختلفة، بهدف خداع الطرف الآخر، وزرع الثقة أو الخوف لديه، ودفعه لاتخاذ قرارات خاطئة أو تأخير ردّ فعله قبيل اندلاع العمليات القتالية.

تؤدّي التسريبات والمصادر، دوراً محورياً ضمن هذا السياق، حيث تقوم الأطراف الفاعلة بتسريب معلومات مختارة وموجّهة حول نيّاتها المزعومة أو قدراتها أو خططها، بينما تخفي أهدافها الحقيقية، ما يساهم في بناء صورة مضلّلة للواقع العملياتي. وقد أثبت التاريخ العسكري الحديث، من الحرب العالمية الثانية إلى النزاعات الإقليمية المعاصرة، أنّ التضليل الإعلامي قبيل الحروب كان في كثير من الأحيان عاملاً حاسماً في تحقيق عنصر المفاجأة الاستراتيجية، وضمان التفوّق في الساعات الأولى للمعارك.

التضليل الإعلامي العسكري من واقع التاريخ الحديث

من المؤلفات التي تعتبر مرجعاً كلاسيكياً في دراسات التضليل الإعلامي العسكري كتاب "Bodyguard of Lies"

الذي يناقش بالتفصيل كيف استخدم الحلفاء حملات تضليل ممنهجة لخداع الألمان بشأن توقيت ومكان إنزال النورماندي خلال الحرب العالمية الثانية.

لكن في عملية بربروسا التي شهدت غزو ألمانيا للاتحاد السوفياتي عام 1941 كان الطرف الألماني هو من يقوم بالخداع هذه المرة، إذ رغم الحشد الألماني الضخم على الحدود، وُقِّعت معاهدة عدم اعتداء، واستُخدم الإعلام الألماني للحديث عن "السلام والاستقرار في أوروبا الشرقية"، بحيث لم يتوقّع ستالين الهجوم، فكان الغزو مفاجئاً وحقّق تقدّماً سريعاً في البداية.

يمكن العثور على دراسة أكاديمية معمّقة تشرح تقنيات وأساليب الخداع الاستراتيجي، بما في ذلك التضليل الإعلامي قبل الهجوم المفاجئ في كتاب "Military Deception and Strategic Surprise".

خلال حرب الخليج الثانية عام 1991 استخدم التحالف الذي قادته الولايات المتحدة حملة إعلامية ضخمة زعمت وجود حشود كبيرة لاجتياح مُعدّ من البحر، بينما كان الهجوم الفعلي يجري عبر الصحراء، ما أربك الدفاعات العراقية.

وقد سبق غزو الكويت من قبل صدام حسين عام 1990 أن صرّح الرئيس العراقي الراحل مراراً أنّ الحشود العسكرية العراقية على الحدود موجّهة "لأغراض دفاعية فقط" أو لـ "مناورات". وفي النتيجة غزا العراق الكويت بشكل مباغت من دون إنذار فعلي مسبق.

تعليقك

You are replying to: .
captcha